يا فرنسا.. حان “حساب الذاكرة”!

يا فرنسا.. حان “حساب الذاكرة”!

تهل ثورة نوفمبر المجيدة، في ذكراها السبعين، والجزائريون يشقون طريقهم بثبات وتطلع، نحو مستقبل ضحوا لأجله بقرابة 6 ملايين شهيد، خلال 132 سنة من المقاومات المفتوحة ثم ثورة خالدة، ضد الاحتلال الفرنسي البغيض. في غضون سبع سنوات ونصف من حرب تحريرية ضارية (1954/1962) أجبر مغاوير الجزائر جيش فرنسا المدعوم أطلسيا على الخروج صاغرا، وهو يجر خلفه أذيال الهزيمة، لكن فاتورة البذل كانت باهظة جدا، في مستوى قيمة استرجاع السيادة الوطنية لشعب أبيّ عشق الحرية وأنف الاستعباد طيلة مساره الحضاري ومسيرته التاريخية. كان الفرنسيون الاستعماريون الحالمون بفردوس الجزائر يظنون أنها ستبقى تحت سطوتهم، بموجب بنود ملغومة ومدسوسة ضمن “اتفاقية إيفيان”، وعن طريق بقايا أذنابهم في الإدارة الموروثة ومواقع القرار السياسي والاقتصادي. لكن الرجال كانوا لها بالمرصاد، فقد اعتمدوا التكتيك التفاوضي لتمرير وقف إطلاق النار، ثم عقب الاستقلال تصرفوا من موقع السيادة وبمنطق الثوار عبر سلسلة من القرارات الوطنية للتطهر من آثار الاستعمار في كل مناحي الحياة، خاصة ما تعلق منها بتأميم المؤسسات العمومية والقطاعات السيادية. ليس سهلا، أن يخضع أي شعب لاحتلال استيطاني طيلة قرن وثلث، حيث مارس عليه كل مخططات الطمس الهوياتي والإدماج الثقافي واللغوي والديني، لكنه ظل متمسكا بذاته الحضارية، رافضا للإلحاق والذوبان في الآخر. وفي ذلك المسعى الخائب لإكراه “الأهالي” على تقبله، اقترف الاستعمار الفرنسي جرائم فظيعة، ستظل وصمة عار تلاحقه في تاريخ الإنسانية، وراية اعتزاز وفخر على جبين الجزائريين، الذين صمدوا صمودا أسطوريا أمام وحشيته، وحاربوه بضراوة حتى أجبروه على الرحيل نازفا عسكريا واقتصاديا وسياسيا. اليوم، في الذكرى السبعين لاندلاع ثورة التحرير، تقف الدولة الجزائرية في عهدها الجديد شامخة، الند للند، مع باريس المثقلة بجرائمها وخيباتها التاريخية، بينما يتمثل قادة الجزائر مقولة الشهيد “العربي بن مهيدي”، رحمه الله: “إننا سننتصر.. لأننا نمثل المستقبل. وأنتم.. ستهزمون، لأنكم تريدون إيقاف عجلة التاريخ”. لقد صدقت نبوءة الشهيد البطل، فهاهو التاريخ يمضي في طريقه نحو حرية الشعوب، بينما تدفع إمبراطوريات الاستعمار القديم ثمن جرائمها المقرفة، إن لم يكن ماديا، فإن سمعتها الحضارية سقطت في الدرك الأسفل من تاريخ العالم المتحضر، خاصة لبلد مثل فرنسا زعم أنه رائد التنوير وحامل شعارات الأخوة والعدل والمساواة.

زينب مداني

wbc-medea

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *