الاتصال الاستراتيجي والاستشراف: ركيزتان أساسيتان لنجاح المنظمات في عالم متغير
في ظلّ عالم متسارع التغيّر، تُواجه المنظمات، سواءً كانت حكومية أو خاصة، تحدّياتٍ مُعقّدة تتطلّب منها القدرة على توقع التغيير والتكيّف معه بفعالية. ولا يُمكن تحقيق ذلك إلا من خلال تبنّي نهجٍ استباقيٍّ يعتمد على ركيزتين أساسيتين: الاتصال الاستراتيجي والاستشراف. يُمثّل هذان العنصران مُحرّكًا أساسيًا لتعزيز المرونة، وإدارة التغيير، وتحفيز الابتكار، ودفع عجلة النموّ والتطوّر داخل المنظمات. يُعرّف الاتصال الاستراتيجي في كتاب “قيادة الاتصالات” (Leadership Communication) بأنّه “العملية التي يربط من خلالها قادة الشركات بأصحاب المصلحة”. ويتجاوز هذا التعريف النظرة التقليدية للاتصال كنشاطٍ ترويجيٍّ ليُركّز على دوره المحوريّ في بناء علاقاتٍ مُستدامةٍ قائمة على الثقة والشفافية. ويُشدّد الكتاب على أهمية فهم احتياجات أصحاب المصلحة وتطلّعاتهم، وتحديد الرسائل الرئيسيّة التي تُلبّي هذه الاحتياجات، واختيار قنوات الاتصال المُناسبة التي تضمن وصول الرسائل بفعالية. لا يقتصر دور الاتصال الاستراتيجي على نقل المعلومات فحسب، بل يتعدّى ذلك ليشمل: بناء ثقافةٍ مُشتركة: يُسهم الاتصال الاستراتيجيّ في بناء ثقافةٍ مُشتركةٍ داخل المنظمة تُوحّد الرؤى والقيم، وتُعزّز الشعور بالانتماء والمسؤولية المُشتركة. إدارة السُّمْعة: يُساعد الاتصال الاستراتيجيّ في بناء سمعةٍ إيجابيةٍ للمنظمة من خلال التّواصل الشفاف والصادق مع الجُمهور، وإدارة الأزمات بفعالية. تحفيز المُوظّفين: يُسهم الاتصال الاستراتيجيّ في تحفيز المُوظّفين من خلال إشراكهم في عمليّة صُنع القرار، وتوضيح مُساهمتهم في تحقيق أهداف المنظمة. الاستشراف: استباق المستقبل وتشكيله الاتصال الاستراتيجي: بناء جسور الثقة والشفافية يُعرّف الاستشراف في كتاب “بناء البصيرة الاستراتيجية والقدرة التوقعية والمعرفة في الحكومة” (Building Strategic Foresight and Anticipatory Capacity and Knowledge in Government) بأنّه “قدرةُ المُنظّمة على الإدراكِ المُستمرّ، وفهم، والتصرفِ بناءً على أفكارٍ مُختلفةٍ عن المُستقبلِ الناشئةِ في الحاضر”. ويُشدّد الكتاب على أهمية الاستشراف في أوقات التغيير السريع، حيثُ تُساعد هذه العملية المنظمات على: تحديد التحدّيات والفرص المُستقبلية: يُساعد الاستشراف في تحديد التحديات والفرص المُستقبلية، ممّا يُتيح للمنظمات فرصةً للتكيّف معها بشكلٍ استباقيٍّ. بناء المرونة والتكيّف: يُسهم الاستشراف في بناء المرونة والتكيّف من خلال تطوير سيناريوهاتٍ مُستقبليةٍ مُختلفة، وتحديد الاستجابات المُناسبة لكلّ سيناريو. تحفيز الابتكار وتطوير السياسات: يُشجّع الاستشراف على التفكير الإبداعيّ، ويُساعد في تطوير سياساتٍ مُبتكرة تُواكب التغيّرات المُستقبلية. لا يُمكن تحقيق أقصى استفادةٍ من الاتصال الاستراتيجي والاستشراف إلا من خلال تكاملهما. فيُمكن استخدام الاستشراف لتحديد التحدّيات والفرص المُستقبلية، ثُمّ استخدام الاتصال الاستراتيجيّ لتوصيل هذه المعلومات لأصحاب المصلحة بفعالية، وبناء التوافق حول الرؤى المُستقبلية، وتعبئة الجهود لتحقيقها. يُبيّن كتاب “قيادة الاتصالات” أهميّة دور مدير الاتصالات الرئيسي (CCO) في تحقيق هذا التكامل، حيثُ يُعدّ حلقة الوصل بين القيادة وأصحاب المصلحة. ويجب على مدير الاتصالات الرئيسيّ أن يكون مُدركًا لسياقات المعلومات، والمحتوى، ونبرة الخطاب، وأن يكون بارعًا في استخدام أدوات الاتصال المُختلفة. أمّا كتاب “بناء البصيرة الاستراتيجية” فيُشدّد على أهمية بناء قدرات موظّفي القطاع العامّ في مجال الاستشراف، وتطوير مناهجَ تدريبية تُركّز على المهارات اللازمة لتطبيق الاستشراف في سياق صُنع السياسات. ختاما، وفي عالمٍ مُعقّدٍ ومتغيّرٍ، يُمثّل الاتصال الاستراتيجيّ والاستشراف ركيزتين أساسيتين لنجاح المنظمات. ومن خلال تكاملهما بفعالية، يُمكن للمنظمات أن تُواجه التحدّيات، وتستغلّ الفرص، وتُحقّق أهدافها الاستراتيجية على المدى الطويل.تكامل الاتصال الاستراتيجي والاستشراف: قوة التآزر
أحمد لونيسي