صيام ذي الحجة: مفتاح المغفرة والبركة في أيام لا تُعوض

مع إشراقة أيام العشر الأوائل من ذي الحجة، تستقبل الأمة الإسلامية موسمًا عظيمًا من مواسم الطاعات، تتضاعف فيه الأجور وتُفتح أبواب الرحمة والمغفرة. هذه الأيام المباركة، التي أقسم الله بها في كتابه الكريم بقوله: “وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ” (الفجر: 1-2)، تحمل في طياتها فضائل لا تحصى، والصيام فيها يُعد من أفضل القربات وأجلِّ الطاعات.
فضل صيام الأيام التسعة الأولى من ذي الحجة
صيام الأيام التسعة الأولى من ذي الحجة له فضل عظيم، وقد دأب الصحابة الكرام على صيامه، كدليل على حرصهم على اغتنام هذه الأيام المباركة. وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم على فضل العمل الصالح في هذه الأيام بقوله: “ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام”، قاصدًا أيام العشر. والصيام، كونه من الأعمال الصالحة، يُزكي النفس ويُطهرها ويُقرب العبد إلى ربه.
وقد ورد عن حفصة رضي الله عنها أنها قالت: “أربع لم يكن يدعهن رسول الله صلى الله عليه وسلم: صيام يوم عاشوراء والعشر وثلاثة أيام من كل شهر والركعتين قبل الغداة” (رواه أحمد والنسائي وابن حبان وصححه). هذا الحديث دليل على استحباب صوم أيام العشر من ذي الحجة.
أما ما ورد عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: “ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائماً في العشر قط”، فقد جمع العلماء بين الحديثين بأن النبي صلى الله عليه وسلم ربما لم يصمها لعارض كمرض أو سفر، أو خشية أن تُفرض على الأمة، أو أن عدم رؤية عائشة له صائمًا لا يعني عدم صيامه فعليًا. فالصيام من جملة الأعمال الصالحات التي يُتقرب بها إلى الله في هذه العشر.
يُستحب صيام الأيام التسعة الأولى دون يوم العيد،. صيام التسعة أيام كلها من السنة وليس فرضًا، وآكدها يوم عرفة لغير الحاج، ويليه في الأكدية يوم التروية (الثامن من ذي الحجة)، ثم باقي الأيام.
يوم عرفة: تكفير ذنوب سنتين
يُعتبر يوم عرفة، وهو اليوم التاسع من ذي الحجة، قمة هذه الأيام المباركة وأفضل يوم في السنة. صيامه لغير الحاج له فضل عظيم لا يُضاهى، حيث يكفر الله به ذنوب سنتين: سنة ماضية وسنة قادمة. قال النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم عرفة: “أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده” (أخرجه مسلم). هذا الفضل العظيم يجعله من أهم الأيام التي ينبغي على المسلم أن يحرص على صيامها، طمعًا في مغفرة الذنوب وتطهير النفس من الخطايا، وهو يوم توبة وإنابة ودعاء مستجاب، ويوم عتق من النار.
الاستعداد للصيام والمحافظة عليه
لتحقيق أقصى استفادة من فضل صيام هذه الأيام المباركة، يجب علينا الاستعداد الجيد والمحافظة على الصيام بكل عناية. من خلال:
• النية الصادقة: جدد نيتك لله تعالى قبل الصيام، واعلم أنك تصوم تقربًا إليه وطلبًا للأجر والثواب.
• التخطيط المسبق: نظم وجباتك ومواعيد نومك لتتناسب مع أوقات الصيام، وابتعد عن الأطعمة الدسمة التي قد تسبب العطش أو التعب.
• الإكثار من الدعاء والذكر: استغل هذه الأيام في الإكثار من الدعاء والتسبيح والتهليل والتكبير وقراءة القرآن، ففيها ساعات إجابة عظيمة.
• الابتعاد عن الملهيات: قلل وقتك أمام الشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي، وركز على العبادات والأعمال الصالحة.
• التسامح والصلح: صفِّ قلبك من الأحقاد والضغائن، وسامح من أساء إليك، واعمل على إصلاح ذات البين.
• المحافظة على الفرائض: تأكد من أداء الصلوات في أوقاتها، وحافظ على السنن والنوافل.
• التصدق والإحسان: استغل هذه الفرصة العظيمة للتصدق على الفقراء والمساكين، ومساعدة المحتاجين، فالصدقة تطفئ الخطيئة.
• صيام القضاء في عشر ذي الحجة: يجوز صيام أيام القضاء من رمضان في هذه الأيام، بل يرى بعض العلماء أن الثواب أعظم إن شاء الله، كونه من الأعمال الصالحة المحببة.
موعد صيام العشر الأوائل من ذي الحجة لعام 1446هـ / 2025م
بحسب الحسابات الفلكية، من المتوقع أن يبدأ صيام العشر الأوائل من ذي الحجة لعام 1446هـ يوم الأربعاء 28 مايو 2025م (الموافق 1 ذي الحجة 1446هـ). ويستمر الصيام حتى يوم عرفة المبارك، الموافق الخميس 5 يونيو 2025م (الموافق 9 ذي الحجة 1446هـ)، ثم يليه عيد الأضحى المبارك يوم الجمعة 6 يونيو 2025م (الموافق 10 ذي الحجة 1446هـ).
إن صيام العشر من ذي الحجة، ويوم عرفة بشكل خاص، هو فرصة عظيمة للمسلم للتزود بالخيرات والطاعات، ولمحو الذنوب والخطايا، وللتقرب إلى الله سبحانه وتعالى. فلنغتنم هذه الأيام المباركة خير اغتنام، ونجعلها محطة للتغيير الإيجابي في حياتنا، لنخرج منها بقلوب أنقى ونفوس أزكى، وعزيمة أقوى على الطاعة والاستقامة.
أمال سعاد سوداني