الصحافة الاستقصائية الرقمية: مسار جديد في عالم التحقيقات

الصحافة الاستقصائية الرقمية: مسار جديد في عالم التحقيقات

مع تطور التكنولوجيا وظهور وسائل التواصل الاجتماعي، باتت الصحافة الاستقصائية تتجه نحو مسار جديد، فما كان ممكناً في السابق باستخدام الوسائل التقليدية أصبح متاحًا الآن من خلال تقنيات رقمية متطورة. أصبحت المواقع الإلكترونية، وقواعد البيانات، ووسائل التواصل الاجتماعي كنوزاً ثمينة للمعلومات التي يمكن أن تُكشف جرائم الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان، وتجعل الصحفيين قادرين على تتبع مسارات الأموال ورسم خرائط العلاقات الغامضة بين الشخصيات والمنظمات.

في كتاب “الصحافة الاستقصائية الرقمية: بيانات، وتحليلات مرئية ومنهجيات مبتكرة في التغطية الدولية”، يسلط الضوء على التحولات الجذرية التي طرأت على الصحافة الاستقصائية في عصرنا الرقمي. يجمع الكتاب بين خبرة صحفيين مرموقين وباحثين أكاديميين، فيصفون أدوات ومنهجيات جديدة لجمع وتحليل البيانات، وتعميق التحقيقات، وضمان صحة المعلومات، وحماية المصادر في بيئة رقمية مليئة بالتحديات.

يقول أندرو ليهرن في الفصل الثاني من الكتاب، “رحلتي في عالم الصحافة القائمة على البيانات لم تبدأ بقاعدة بيانات ضخمة”، مشيرًا إلى أن رحلته بدأت من نقطة بسيطة، هي البحث الدقيق في السجلات العامة. يوضح ليهرن كيف يمكن للصحفيين استخدام البيانات والإحصاءات لتحسين أدائهم في الكشف عن القصص التي تغفل عنها وسائل الإعلام الكبرى، مستشهدًا بتحقيق صحفي أجراه عن حالات الوفاة الناجمة عن سوء ممارسات الشرطة.

يؤكد بول برادشو، في الفصل الثالث من الكتاب، على أهمية فهم البيانات كجزء أساسي من القصة. ويطرح برادشو عددًا من الأسئلة التي يجب أن يطرحها الصحفي عند التعامل مع البيانات، مثل نوع البيانات، وطريقة جمعها، وموثوقيتها، وطريقة عرضها. ويشير إلى أن الصحفيين يجب أن يكونوا على دراية بالتحديات القانونية والأخلاقية التي قد تواجههم عند التعامل مع البيانات.

أما فيليب دي لا هوز، في الفصل الخامس من الكتاب، فيقارن بين وسائل الإعلام التي تركز على البيانات ووسائل الإعلام الاستكشافية. ويرى دي لا هوز أن التركيز على البيانات يعتبر أداة قوية لكشف الحقائق، بينما تركز وسائل الإعلام الاستكشافية على تفسير البيانات ووضعها في سياقها، مستشهدًا ببعض الأمثلة على الطريقتين.

أما بالنسبة للتحقيقات المتعلقة بحقوق الإنسان، تتحدث أليس كوهلي، في الفصل السابع من الكتاب، عن كيفية استخدام تقنيات الصحافة الاستقصائية الرقمية في تقصي الحقائق في مجال حقوق الإنسان، مستشهدة بتحقيق أجراه فريقها عن استخدام أنواع ضارة من الوقود في أفريقيا، وكيف استطاعوا، من خلال تحليل البيانات، إثبات التلاعب بمواصفات الوقود، والأثر السلبي على صحة السكان.

في الفصل الثامن من الكتاب، تشرح ميراندا باتروشيتش كيف يمكن للصحفيين تتبع مسار الأموال باستخدام الصحافة الاستقصائية الرقمية. وتقدم باتروشيتش شرحًا مفصلاً لطريقة تتبع الأصول والشركات، وكيف يمكن لهذه الطريقة أن تساعد الصحفيين في الكشف عن الفساد.

ولكن مع تطور التكنولوجيا، ظهرت تحديات جديدة، مثل التحقق من صحة الصور ومقاطع الفيديو، وحماية المصادر في بيئة رقمية متغيرة. في الفصل الثالث عشر من الكتاب، يسلط إليوت هيغنز الضوء على تقنيات التحقق من الصور، مثل تحديد الموقع الجغرافي، وتحليل البيانات الوصفية، وفحص التلاعب بالصور، مستشهدًا بأمثلة من الحرب الأوكرانية.

ومن ناحية حماية المصادر، تتحدث إليانور فارو، في الفصل الرابع عشر من الكتاب، عن مشروع “eyewitness to Atrocities”، الذي يهدف إلى جمع الأدلة الرقمية على انتهاكات حقوق الإنسان، وكيف ساعد المشروع في تعزيز التقارير التي قدمت للمحاكم.

كما تطرق الكتاب لأهمية سرد القصص بطرق مبتكرة تجذب الجمهور، وتعمق فهمهم للأحداث. في الفصل الحادي عشر من الكتاب، يتحدث جينز رادو عن أهمية “الإظهار والرواية” في سرد القصص المرئية، وكيف يمكن دمج النصوص والأفلام والصور والرسومات التفاعلية لتقديم تجربة متعددة الوسائط.

في الفصل العشرين من الكتاب، تناقش ناتاليا أنتيلفا أهمية التغطية الصحفية المعمقة في أوقات الأزمات، وتسلط الضوء على قصة الطفل زيوسو، الناجي الوحيد من كارثة إعصار نرجس في بورما، لتوضيح أهمية متابعة القصص وإعطاء الجمهور صورة كاملة عن الأحداث. في الفصل الثاني والعشرين من الكتاب، يتطرق فلوريان ستالب إلى دور صحافة المعلومات في مكافحة التضليل الإعلامي في مجتمعات ما بعد الحقيقة، ويؤكد على أهمية التحقق من الحقائق ودعم المؤسسات الصحفية المستقلة.

ختامًا، يقدم كتاب “الصحافة الاستقصائية الرقمية” رؤى معمقة لأدوات ومنهجيات الصحافة الاستقصائية الرقمية، ويطرح تحدياتها وفرصها، ويسلط الضوء على دورها المهم في الكشف عن الفساد، ومحاربة التضليل، وتعزيز المساءلة.

أحمد لونيسي

wbc-medea

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *