رمضان يرحل: حصاد الإنجاز، ودموع الوداع تترقب آمال اللقاء

رمضان يرحل: حصاد الإنجاز، ودموع الوداع تترقب آمال اللقاء

في لحظات وداع شهر رمضان المبارك، تتجلى في قلوب المؤمنين مشاعر مختلطة من الفرح والحزن, فرحٌ بإتمام الصيام والقيام، وحزنٌ على فراق شهر الرحمة والغفران, وفي هذا السياق، تُروى قصة مؤثرة عن أحد الصحابة الكرام، الذي بكى عند وداع رمضان، معبرًا عن حزنه العميق على فراق هذا الشهر الفضيل.
قصة الصحابي الذي بكى عند وداع رمضان
ورد في الأثر أن أحد الصحابة الكرام، عندما ودع شهر رمضان، ذرفت عيناه بالدموع، وسُئل عن سبب بكائه، فقال: “أبكي على فراق شهر الخير والبركة، شهرٍ كانت فيه القلوب أقرب إلى الله، والنفوس أزكى، والأعمال أزكى, أبكي على فراق شهرٍ كنا فيه نتقرب إلى الله بأنواع الطاعات والقربات، أبكي على فراق شهرٍ لا أدري هل أدركه مرة أخرى أم لا”.
عبرة من القصة: أهمية اغتنام رمضان
تعكس قصة هذا الصحابي الجليل مدى تقدير الصحابة الكرام لأهمية شهر رمضان، وحرصهم على اغتنام كل لحظة فيه, وتستخلص من هذه القصة العبر التالية:
تقدير قيمة الوقت: تعلمنا هذه القصة أن الوقت هو أثمن ما يملكه الإنسان، وأن شهر رمضان فرصة عظيمة يجب اغتنامها في الطاعات والقربات.
الحزن على فوات الخير: إن الحزن على فراق رمضان ليس حزنًا على مجرد أيام وليالٍ، بل هو حزن على فوات فرصة عظيمة للتقرب إلى الله، واكتساب الأجر والثواب.
الاستعداد للقاء الله: يذكرنا وداع رمضان بأن الحياة قصيرة، وأننا في رحلة مستمرة نحو لقاء الله، وأن علينا أن نستعد لهذا اللقاء بالأعمال الصالحة.
الاستمرار على الطاعة: يجب أن يستمر المسلم على الطاعة بعد رمضان، وأن يحافظ على ما اكتسبه من خير في هذا الشهر الفضيل.
وداع شهر الرحمة
ها هو شهر رمضان يمضي بأيامه الفاضلة، ولياليه العامرة، يمضي بعد أن كان بين أيدينا، يملأ أسماعنا، وينير أبصارنا، ويبهج قلوبنا, يمضي حاملاً معه صحائف أعمالنا، شاهدًا فيها لنا أو علينا, يمضي بعد أن انقسم الناس إلى ظالم لنفسه، ومقتصد، وسابق بالخيرات بإذن الله.”
فرحة الإنجاز وحزن الفراق
لقد فاز في رمضان من جد واجتهد, ففاز بالرحمة والغفران، والعتق من النيران, وخسر من خسر بسبب الغفلة والذنوب والعصيان, يمضي رمضان فتبكي قلوب المؤمنين حزنًا على فراقه قبل أن تدمع عيونهم, وحق للقلوب أن تحزن، وللعيون أن تبكي وتدمع على فراق شهر الرحمة والتوبة والرضوان والغفران.
نعمة الإسلام وفضل الله
قد يشعر البعض بالحزن لفوات شهر رمضان، لما فيه من خير وبركة، وفي الوقت نفسه، يشعر البعض الآخر بالفرح لنعمة الإسلام التي أتاحت لهم معرفة الله ورسوله، وشهر رمضان، والقرآن, قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (آل عمران:19)، {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (آل عمران:85).
الاستمرار على الطاعة
إن انقضاء رمضان لا يعني أن العبادة تنتهي, فإذا كان رمضان ينتهي ويزول، فإن رب رمضان لا يزول ولا يحول، وإن كان رمضان يمضي، فإن رب رمضان هو الحي الذي لا يموت, وبئس العبد عبد لا يعرف ربه إلا في رمضان، ثم ينقطع عن عبادته بعده, ها هو شهر رمضان يلملم أوراقه ويرحل، تاركًا في قلوبنا مزيجًا من الحزن والشوق , حزن على فراق شهر الرحمة والغفران، وشوق إلى لقائه في العام القادم, لقد كان رمضان فرصة عظيمة للتوبة والاستغفار، وتقوية الصلة بالله تعالى.
وقفات مع الآيات والأحاديث:
الرجاء في قبول الأعمال: قال تعالى: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (البقرة: 127), فلندع الله تعالى أن يتقبل منا صيامنا وقيامنا وسائر أعمالنا, وعن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملاً أثبته”, فلنحرص على الاستمرار في الأعمال الصالحة بعد رمضان.
الخوف من عدم القبول:
قال تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} (المائدة: 27), فلنحاسب أنفسنا على تقصيرنا في رمضان، ولنتق الله في أعمالنا,
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له”,
فلنخش أن نكون من الذين لم يغفر لهم في رمضان.

الاستقامة بعد رمضان:
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} (فصلت: 30), فلنحرص على طاعة الله بعد رمضان، ولنحافظ على ما اكتسبناه من خير ونفع في هذا الشهر الفضيل, و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه” , فلنحافظ علي ما اكتسبناه من مغفرة.
دعاء الوداع:
” اللهم يا ذا الجلال والإكرام، تقبل منا صيامنا وقيامنا ودعاءنا، واغفر لنا ذنوبنا، واجعلنا من عتقائك من النار, اللهم لا تجعله آخر العهد برمضان، وأعده علينا أعوامًا عديدة وأزمنة مديدة، ونحن في صحة وعافية, اللهم ارزقنا الاستقامة على طاعتك بعد رمضان، وثبتنا على دينك حتى نلقاك, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين”.
أمال سعاد سوداني

wbc-medea

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *