دور الترابطية والتبادلية والمنفعة المتبادلة في العلاقات العامة المعاصرة
تُعتبر العلاقات العامة في العصر الحديث ركيزة أساسية لنجاح المنظمات، حيث تُساهم في بناء جسور تواصل فعّالة مع مختلف الجماهير وتحقيق منفعة متبادلة. لم يعد دورها يقتصر على نشر المعلومات وتلميع صورة المنظمة، بل امتد ليشمل بناء علاقات قوية ودائمة مبنية على الترابطية والتبادلية والفهم المتبادل.
يشير مصطلح “الترابطية” في سياق العلاقات العامة إلى اعتماد أصحاب المصلحة المختلفة على بعضهم البعض. فنجاح المنظمة يعتمد على رضا عملائها، وموظفيها، والمجتمع الذي تعمل فيه، والعكس صحيح. أما “التبادلية” فتُشير إلى تبادل المعلومات والموارد والفوائد بين المنظمة وأصحاب المصلحة. بينما تُركز “المنفعة المتبادلة” على تحقيق قيمة مشتركة بين جميع الأطراف المعنية.
وقد لاحظ ماثيو سوفيه، في دراسته بعنوان “دور العلاقات العامة في العلاقة بين المنظمات وأصحاب المصلحة في سياق أمريكا الشمالية” (Université du Québec à Montréal, 2010)، أن “العلاقات العامة تُعرف بأنها نظام إدارة يُنشئ ويُحافظ على التعاون المتبادل بين المنظمة والجمهور الذي تعتمد عليه المنظمة من أجل نجاحها” (ص. 18). وهذا يدعم أهمية الترابطية في بناء علاقات قوية وفعّالة بين المنظمات وأصحاب المصلحة.
لقد تطورت ممارسات العلاقات العامة بشكل كبير في العقود الأخيرة، متأثرة بالتغيرات التكنولوجية والاجتماعية والاقتصادية. وباتت وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دوراً مهماً في تعزيز الترابطية والتبادلية، حيث تُتيح للمنظمات التواصل المباشر مع جماهيرها والاستماع لآرائهم وملاحظاتهم.
ويُعد مفهوم “الاستماع” عاملاً أساسياً في بناء علاقات قوية. إذ لا يُمكن للمنظمة تحقيق منفعة متبادلة مع جمهورها دون فهم احتياجاتهم وتطلعاتهم. ويشير “كتيب فعالية العلاقات العامة” (Cutlip, Center, & Broom, 2000) إلى أن “الاستماع هو مفتاح الفهم، والفهم هو أساس نجاح العلاقات العامة” (ص. 64).
لا يقتصر دور العلاقات العامة على التواصل مع الجماهير الخارجية فقط، بل يشمل أيضاً بناء علاقات قوية مع الموظفين داخل المنظمة. فالموظفون السُعداء والراضون يُساهمون في تحسين صورة المنظمة وتعزيز سمعتها. ويمكن للعلاقات العامة المساعدة في تحقيق ذلك عن طريق إشراك الموظفين في صنع القرار وإعلامهم بأهداف المنظمة وتطوراتها.
وتُشير بعض الدراسات إلى أن نموذج الإدارة التقليدي في العلاقات العامة، الذي يركز على خدمة أهداف المنظمة فقط، يُعتبر قاصراً في العصر الحديث. ويُطالب باحثون مثل باتباع نهج نقدي يضع مصلحة المجتمع في الاعتبار، ويُعزز الترابطية والشفافية والمساءلة.
ويُعد مفهوم “الشفافية” ركيزة أساسية في بناء علاقات ثقة بين المنظمة وجماهيرها. ويشير في “موسوعة العلاقات العامة” إلى أن “الشفافية هي مفتاح بناء الثقة والاحترام المتبادل بين المنظمة والجمهور” (ص. 118).
وعلى الرغم من أهمية الترابطية والتبادلية والمنفعة المتبادلة في العلاقات العامة المعاصرة، إلا أن هناك بعض التحديات التي تواجهها المنظمات في تحقيقها. ومن هذه التحديات:
• التعامل مع المعلومات المضللة: انتشار المعلومات المضللة على وسائل التواصل الاجتماعي يُشكل تحدياً كبيراً للعلاقات العامة، حيث يتطلب منها سرعة الرد وتوضيح الحقائق.
• الحفاظ على خصوصية البيانات: تُؤثر قوانين حماية البيانات على قدرة المنظمات على جمع وتحليل بيانات الجمهور، مما يُشكل تحدياً في فهم احتياجاتهم وتطلعاتهم.
• بناء الثقة في بيئة متغيرة: تتغير قيم ومعتقدات الجمهور باستمرار، مما يتطلب من العلاقات العامة التكيف مع هذه التغيرات وبناء علاقات قوية مبنية على الثقة.
وعلى الرغم من هذه التحديات، إلا أن العلاقات العامة المعاصرة تُقدم فرصاً كبيرة للمنظمات لبناء علاقات قوية وفعّالة مع جماهيرها. ومن هذه الفرص:
• استخدام التكنولوجيا لتعزيز الترابطية: تُتيح التكنولوجيا الحديثة للمنظمات التواصل مع جماهيرها بشكل مباشر وفوري، وبناء علاقات شخصية معهم.
• التركيز على المحتوى ذو القيمة: يُفضل الجمهور المحتوى الذي يُقدم لهم قيمة مضافة، سواء كانت معلوماتية أو ترفيهية. ويمكن للعلاقات العامة استغلال ذلك لبناء علاقات قوية معهم.
• قياس أثر العلاقات العامة: تُتيح الأدوات الحديثة قياس أثر حملات العلاقات العامة بشكل دقيق، مما يُساعد المنظمات على تحسين أدائها وتحقيق أهدافها.
في الختام، يُمكن القول إن الترابطية والتبادلية والمنفعة المتبادلة هي مفاهيم أساسية في العلاقات العامة المعاصرة. وتُساهم هذه المفاهيم في بناء علاقات قوية ودائمة بين المنظمات وجماهيرها، وتحقيق قيمة مشتركة بين جميع الأطراف المعنية. وعلى الرغم من التحديات التي تواجهها المنظمات في تحقيقها، إلا أن هناك أيضاً فرصاً كبيرة للاستفادة من التطورات التكنولوجية والاجتماعية والاقتصادية لتعزيزها. ولكي تنجح المنظمات في بناء علاقات عامة فعّالة، يجب عليها التركيز على الاستماع لفهم احتياجات الجمهور، وبناء علاقات ثقة مبنية على الشفافية والمساءلة، وتقديم محتوى ذو قيمة مضافة.
أحمد لونيسي