الأدلة البيولوجية والغير بيولوجية وطرق فحصها في الإثبات الجنائي

الأدلة البيولوجية والغير بيولوجية وطرق فحصها في الإثبات الجنائي

سبق و أن رأينا أن الجاني عند ارتكابه للجريمة فإنه يحاول قدر المستطاع إخفاء آثاره التي تكشف بعد معاينتها و فحصها عن هويته، و لكن مهما حاول ذلك فلابد أن يترك آثارا ولو بسيطة قد تغير مجرى التحقيق بأكمله قد تكون آثارا بيولوجية أو غير بيولوجية كآثار الأسلحة و المتفجرات آثار المخدرات، آثار وثائق و مستندات مزورة، ملابس و أنسجة …إلخ، و كل هذه الآثار تصنف على أنها غير بيولوجية التي لها أهمية خاصة لدى الخبراء الفنيين للشرطة العلمية، لأنها قد توصلهم إلى بعض الحقائق في كشف الجريمة و تساهم في إيضاح عناصر الإقناع لدى القاضي الجزائي.
و على ضوء ما ذكر نقسم هذا المبحث إلى ثلاثة مطالب حيث نتطرق أولا إلى فحص المستندات و الخطوط و حجيتها في الإثبات، بعدها ندرس آثار المخدرات و السموم و طرق فحصها، و أخيرا نتطرق إلى دراسة باقي المخلفات الأخرى غير البيولوجية المعثور عليها بمسرح الجريمة.
المطلب الأول : فحص المستندات و الخطوط
إن عملية مضاهاة الخطوط و فحص المستندات لمعرفة مدى تزويرها من عدمه، هي ليست عملية شكلية فقط بل هي علم و فن قائم بذاته، كون أن خبراء هذا الميدان ملزمون بتطبيق خطوات متعاقبة ليقرروا في النهاية ما إذا كانت الكتابة أو الوثيقة هي مزورة أم لا.
و على ضوء ذلك، سوف ندرس هذا المطلب في ثلاثة فروع:
⚖️تزوير النقود و الأوراق المالية
⚖️مضاهاة الخطوط
⚖️و أخيرا فحص المستندات و الوثائق
الفرع الأول : تزوير النقود و الأوراق المالية نص المشرع الجزائري على جرائم التزوير بصفة عامة في الفصل السابع من الكتاب الثالث من قانون العقوبات، إذ نصت المادة 197منه على عقوبة السجن المؤبد، بعدما كانت العقوبة هي الإعدام و هذا بعد تعديلها بموجب المادة 60 من القانون 06/ 23 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006 المعدل لقانون العقوبات و هذا لكل من قلد أو زور أو زيف نقودا معدنية أو أوراق نقدية أو سندات أو أذونات أو أسهم تصدرها الخزينة العامة و تحمل طابعها. يعتمد خبراء فحص التزوير و التزييف التابعين للشرطة العلمية ـ فرع الخطوط و الوثائق ـ في تعرفهم على القطع النقدية المزورة على الكشف عن بعض العلامات المميزة لها كاللون، الرنين، وزن القطعة، عدم تساوي السطح، ميل الحواف و عدم انتظامها، و كذا انحناء طرف الرسم، حيث يدقق هذا الرسم عن طريق أخذ صورة فوتوغرافية مكبرة ليسهل البحث عن موقع التزوير. كما يستخدم لذلك أيضا العدسة المكبرة و المجهر المجسم . أما بالنسبة لتزوير الأوراق المالية، فإنها تعد من أحدث أنواع الإجرام في العصر الحالي . حيث يستخدم المجرمون آلات النسخ و السكانير في عمليات تزوير الأوراق المالية و هذا بنسبة 80 %، في حين أن هذه الآلات تنسخ فقط الأشكال الظاهرة سطحيا، و بفضل آلة فيديو سكانير تظهر العملة الحقيقية من المزيفة، كون أن العملة الحقيقية تحتوي على رموز و علامات خاصة تميزها عن بقية الأوراق مثل الرسومات المميزة و التي تكون عادة غائرة في الورقة النقدية لذلك لا تتمكن آلة النسخ أو السكانير من نسخها، كذلك الخطوط السرية، نوعية الورق الذي يظهر باهتا في العملة الحقيقية باعتباره يحتوي على مواد كيميائية متنوعة تتفاعل عند تعريضها لمختلف أنواع الأشعة في حين يظهر ناصعا في العملة المزيفة، أما فيما يخص الصكوك البنكية فهي كذلك محمية من التزوير إذ لها علامات مميزة خاصة بها كالألوان و الطباعة المكررة لرموز البنك و الثقوب الخاصة، كما أن الورق المصنوع منه الصك هو كذلك من نوع خاص و مشبع بمواد كيميائية سرية يتغير لونها بمجرد تعريضها لأية محاليل أو أشعة بغرض كشف التزوير.

الفرع الثاني : مضاهاة الخطوط
يعتقد خبراء علم الخطوط أن لكل شخص خطه المميز و الذي يختلف باختلاف ظروف زمان و مكان تحريره، و بالتالي فإن تحليل خصائص الخطوط في المضبوطات و الوثائق قد يفيد في كشف غموض الجريمة و إظهار الحقيقة و خاصة في قضايا التهديد عن طريق رسائل مجهولة الهوية أو عند مضاهاة خط وارد في ورقة وجدت بمسرح الجريمة مع خط المشتبه فيه، لأن ذلك قد يدل على المجرم ففي جريمة قتل كتب الضحية بدمه قبل موته على كف يده اسم الشخص الذي قتله، و لما لاحظ المحقق ذلك أخذ صورة لهذا الإسم و قام بمضاهاتها بأوراق القتيل و تحقق بأنها مكتوبة بخط يده و ليس بخط شخص آخر يريد التظليل و إلصاق التهمة بصاحب هذا الاسم للإنتقام منه، و عند تفتيش مسكن صاحب الاسم المذكور عثر عنده على أشياء كثيرة للضحية و بمواجهته بها، اعترف بارتكابه للجريمة.
تقوم مضاهاة الخطوط على دراسة بعض الخصائص الجوهرية التي يتميز بها كل خط مثل : شكله، طريقة الكتابة و الإملاء و عدة جوانب أخرى، و لهذا الغرض لابد من فحص الخط الأصلي و مقارنة خواصه بالوثائق المضبوطة، حيث يطلب من المتهم أن يكتب نصا معينا من عدة نسخ و في عدة وضعيات (جالسا، واقفا، على سطح مائل، على سطح متموج، على كف اليد…)، تتكرر فيه بوجه خاص الحروف المشتبه فيها، بحيث يملي عليه خبير الشرطة العلمية النص و عليه ألا يضع أمامه الورقة محل المضاهاة لأن المشتبه فيه دون شك سوف يتفادى الكتابة بنفس الطريقة محاولا تضليل الخبير، بعدها يقوم الخبير بتصوير الوثائق المشبوهة و تكبيرها، ليتم بعدها بدراسة شكل الخط من حيث أشكال الحروف و حجمها و أسلوب كتابتها مثل درجة الميل و الإنحراف على السطر، ارتفاعها أو انخفاضها، انتظام و تباعد الحروف فيما بينها و بين الكلمة الأخرى، طريقة وصلها ببعضها و كيفية وضع النقاط من فوقها و من تحتها و كذا المد في حروف آخر الكلمة .
طريقة الكتابة تعني دراسة الصفات المميزة للحروف المختلفة، مثل كتابة حرف الكاف “ك” أو رقم ثمانية “8”، طريقة إسناد اليد إلى المنضدة، طريقة مسك القلم و قوة الضغط عليه …، و بالطبع فإن فواصل الجمل و النقاط و كذا الأخطاء الإملائية، قد يساعد على الفصل في الوثائق و تحديد انتمائها، فمثلا لو احتوت الوثيقة محل المضاهاة على خطأ إملائي لكلمة “لآليء” و وقع المشتبه فيه في نفس الخطأ عند إملائه لنص مشابه دل ذلك على احتمال كبير بأن يكون النص المفحوص من خطه .
و من المهم أن نذكر أن حركة الأصابع و اليد التي يتحرك بها القلم لها تأثير عميق أيضا، بالإضافة إلى العوامل السابقة و التي يجب على خبير الشرطة العلمية أن يضعها في الحسبان لتفسير الظواهر الخطية و هو بصدد إجراء مضاهاة الخطوط، هذا من ناحية، و من ناحية أخرى فإن أهمية مضاهاة الخطوط لا تقتصر على كشف المستند المزور أو المزيف فقط، بل تفيد أيضا في تحديد نوعية الأقلام المستخدمة في الكتابة، الأمر الذي يجب معه على خبراء مسرح الحادث عدم إهمال تحريز الأقلام إن وجدت في مسرح الجريمة فقد تعتبر دليلا يساعد على كشف الحقيقة
الفرع الثالث : فحص المستندات و الوثائق
تشكل الوثائق و المحررات بمختلف أنواعها ميدانا مغريا للتزوير المادي، سواء بالحذف أو بالزيادة في المحررات، أو بوضع توقيعات و أختام مزورة، و كذلك بإضافة أسماء مزورة و بتقليد الوثائق و الإصطناع . و بالمقابل فقد عرفت وسائل الكشف و فضح التزوير تطورا كبيرا و بالأخص ما يتعلق منها بطرق التحليل الكيميائي للحبر و الورق حيث يسمح هذا التحليل بمعرفة نوع الورق المستعمل مثل الصكوك و جوازات السفر، فتصنع من ورق خاص، يختلف عن الورق العادي، كما يتم استخدام الفحص المجهري و العدسة المكبرة كذا للبحث عن آثار التغيير، الكشط أو المحو، و كذا التصوير الفوتوغرافي بتقنياته المختلفة، و من أهم التحاليل المتبعة في ذلك :
✓تركيب الورق و يسمح بمعرفة طبيعة الألياف، حيث تغلى القطع الورقية الصغيرة بمحلول بروكسيد الصوديوم المخفف و تصبغ بصبغة اليود.
✓حالة المحو و الشطب و الكشط، هنا يقوم خبير الشرطة العلمية بإجراء الفحص بواسطة المجهر أو بالعدسة المكبرة تحت الأشعة فوق البنفسجية، و أحيانا القيام بتفاعلات كيميائية حيث يمكن إبراز الخط المضمحل بإرجاع آثاره عن طريق تعريضه إلى بخار كبريتور الأمنيوم في حالة الحبر الذي يحتوي على مركبات الحديد، نفس الشيء بالنسبة للكلمات الممحية بالممحاة يمكن استشفافها بالأشعة فوق البنفسجية أو بتصوير الوثائق بالأشعة تحت الحمراء، أما الكلمات الممحية بالقلم الطامس ( correcteur ) فيمكن إزالة مادة الطمس البيضاء كيميائيا أو بالتصوير على ألواح حساسة للأشعة تحت الحمراء، و تتبع نفس الطرق في كشف الأختام المزورة .
✓أما في حالات حرق أطراف الوثائق أو تمزيقها أو طيها بغرض تغيير لونها للإيهام بقدمها، هنا يتم تحليل المحررات في محلول برمنغنات البوتاسيوم و أحيانا في محلول مليان (Solution de Millian ) و منه يمكن فضح هذا التزوير حيث يتغير لون الوثائق القديمة أصلا بفعل عملية التأكسد و التي تصيب خاصة الأجزاء المعرضة منها للهواء و الضوء و يكون أوضح على مستوى الحواف، في حين أن الورقة الجديدة و التي أراد الفاعل جعلها تبدو قديمة بتغيير لونها فإنها بعد التحليل تظهر مسار صب الصبغة اللونية على الوثيقة مع وجود مساحات صغيرة غير ملونة، كما قد تظهر عليها خطوط داكنة هي بمثابة طيات قبل التلوين المفتعل .
✓التعرف على نوع القلم أو المداد المستعمل بواسطة اختبارات كيميائية بسيطة و بالإستناد إلى الخصائص المميزة لكل مداد أو قلم، فحبر الكربون لا يتغير لونه أبدا و هو يزول بالماء، في حين قلم الرصاص مثلا يتميز بوجود تخطيطات رفيعة و البريق المميز كما يمكن الكشف بسهولة عن المعادن التي يتركب منها، أما بالنسبة لأقلام المداد الجاف فإنها تعتبر أكثر أنواع الأقلام شيوعا في الوقت الحاضر، كما تتسم الكتابة بهذه الأقلام بمميزات و مواصفات خطية تشير مباشرة إلى أن هذه الأقلام هي النوع الذي تمت به الكتابة، و يمكن لنا إيجاز هذه الميزات أو الخصائص فيما يلي :
ظاهرة الفجوات القصيرة في مسار الكتابة الخطية و تبدو للشاهد العيان على أنها توقف الكاتب عن الكتابة ثم استمراره، أو استعماله لفواصل في مسار الكتابة.

زينب مداني

wbc-medea

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *