قوة الكلمة: رحلة في دهاليز الكتابة الصحفية السردية

قوة الكلمة: رحلة في دهاليز الكتابة الصحفية السردية

يُعتبر كتاب “أدوات كتابة القصة: دليل عملي لتحرير النصوص” لرشاد عبد القادر، بمثابة رحلة استكشافية في عوالم الكتابة الصحفية السردية، مُسلطاً الضوء على أدواتها وتقنياتها، ومُقدماً للقارئ خارطة طريق واضحة المعالم للوصول إلى كتابة مُتقنة وجذابة. ينطلق الكتاب من فرضية أساسية مفادها أن “الكتابة صنعة وليست فناً”، كما ورد في الكتاب، وهو ما يُشكل نقطة انطلاق هامة لفهم رؤيته الشاملة للكتابة.

يؤكد عبد القادر على أهمية الابتعاد عن النمطية في الكتابة، وتجنب التكلس في الأفكار والأساليب. فهو يدعو الكاتب إلى “كسر القاعدة كلما وجدت ذلك ضرورياً”، مُشيراً إلى أن “لا شيء مقدس.. القصة وحدها مقدسة”. هذا التحرر من القيود التقليدية يتيح للكاتب مساحة أوسع للإبداع والابتكار، ويُمكّنه من صياغة نصوص فريدة ومتميزة.

يُركّز الكتاب بشكل خاص على أهمية “الوضوح” في الكتابة الصحفية. فكما يقول جورج أورويل، “إن الكتابة الجيدة مثل النافذة، تنظر من خلالها، من دون أن تلحظ الإطار”. ولتحقيق هذا الوضوح، يُقدم عبد القادر نصائح عملية، منها التركيز على “بنية الجملة الديناميكية”، واختيار “الكلمات القوية: الأسماء والأفعال”، وتجنب “الأخطاء اللغوية الفادحة”.

يُشدد الكتاب أيضاً على أهمية “العرض، لا التخبر” في الكتابة السردية. فبدلاً من إخبار القارئ بأنّ الشخصية حزينة، على الكاتب أن يُظهر ذلك من خلال أفعالها، وتعبيراتها، ولغة جسدها. هذا الأسلوب يُمكّن القارئ من التفاعل مع القصة بشكل أعمق، ويُضفي عليها بُعداً درامياً أكثر تأثيراً.

ولا يغفل الكتاب دور “التحرير والمراجعة” في صقل النصوص وتحسين جودتها. فهو يُقدم “مراحل التحرير والمراجعة” بشكل مُفصّل، بدءاً من “تحرير المضمون”، ومروراً بـ “تحرير الجملة”، وصولاً إلى “تحرير النص”. كما يُقدم أمثلة تطبيقية من قصص صحفية حائزة على جوائز، مثل “حياة في اثنتي عشرة دقيقة” و “فتاة النافذة”، لتوضيح المفاهيم والتأكيد على أهمية تطبيقها عملياً.

يُفرد الكتاب فصلاً كاملاً للحديث عن “الحوار الجيد”، مُشيراً إلى أهميته في الكشف عن الشخصيات، وتطوير الحبكة، وخلق الشدّ والتوتر. كما يُقدم نصائح عملية لتحسين جودة الحوارات، منها تجنب الحشو والتكرار، واختيار الكلمات بعناية، والتأكد من أن الحوار يبدو طبيعياً وتحادثياً.

ويُلقي الكتاب الضوء على أهمية “النبرة، الأسلوب، الصوت” في الكتابة، مُشيراً إلى أنها “قلب الكتابة الجيدة وروحها ونفسها”. ويُقدم أمثلة من نصوص صحفية متميزة، لتوضيح كيفية استخدام هذه العناصر لإضفاء طابع فريد على الكتابة، وخلق تجربة قراءة مُمتعة وجذابة.

يُعتبر كتاب “أدوات كتابة القصة” إضافة قيّمة للمكتبة العربية، فهو يُقدم للقارئ والكاتب والصحفي، رؤية مُتكاملة للكتابة الصحفية السردية، مُسلطاً الضوء على أدواتها وتقنياتها، ومُقدماً نصائح عملية لتطبيقها. كما يُشجع على التحرر من القيود التقليدية، والبحث عن أساليب جديدة ومبتكرة في الكتابة.

يُحفز الكتاب الكاتب على التفكير بعمق في كل جملة ينشئها، وفي كل كلمة يختارها، وفي كل علامة ترقيم يضعها. فهو يدعو إلى “دع الكلمات والجمل تتصادم”، لخلق احتكاك يُولد المعنى والعمق. وهذا التصادم، كما يشير الجرجاني، هو ما يُضفي الحُسن والجمال على الكتابة.

ويُختتم الكتاب بملحقين هامين: الأول عبارة عن تحليل مُفصّل لقصة “حياة في اثنتي عشرة دقيقة”، والثاني يُجيب عن سؤال “القصة.. كيف تصبح قصة؟”. هذين الملحقين يُمثلان إضافة قيّمة للمحتوى، ويُقدمان للقارئ فرصة لتطبيق المفاهيم والأفكار التي تناولها الكتاب عملياً.

في الختام، يُعتبر كتاب “أدوات كتابة القصة” دليلاً عملياً شاملاً للكتابة الصحفية السردية، يُحفز على الإبداع والابتكار، ويُساعد على صقل المهارات، والوصول إلى كتابة مُتقنة وجذابة. إنه كتاب يستحق القراءة والتأمل من قبل كل من يهتم بالكتابة، سواء أكان كاتباً محترفاً، أو طالباً يخطو خطواته الأولى في هذا المجال.

أحمد لونيسي

wbc-medea

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *